RSS

لا يتحرك من جسده إلا الرأس لكنه يعمل على الحاسوب ويتصفح مواقع الانترنت بشكل طبيعي!!

20 ماي


هبة لاما/خاص/PNN- أحد منكوبي الانتفاضة الأولى وما خلفته من إعاقات وإصابات وويلات، أصيب إثر حادث أليم بشلل رباعي أفقده القدرة على الحركة وتسبب في إيقاف كافة نشاطات حياته، فتحول من الصخب والمقاومة والملاحقات وجلسات الشباب الثوار المليئة بالمغامرات إلى السكون واللاشيء، مما أدى إلى انقلاب حياته رأساً على عقب؛ ففي لحظة واحدة تحول حلمه الجميل وأمله في مستقبل أفضل مليء بالحرية والاستقلال إلى كابوس مزعج وألم دائم.

جاسر أبو دقة ابن الثانية والثلاثين عاماً، يعيش في إطار كرسي كهربائي وجسد لا يتحرك فيه سوى الرأس منذ أن كان في الثامنة عشرة من عمره، ففي  31-3-1994 تعرض هو وصديقه لملاحقة جيش الاحتلال الإسرائيلي في احد شوارع خان يونس جنوب القطاع، فاصطدمت السيارة إثر السرعة الزائدة بحائط ضخم تسبب في تحطم السيارات وإصابة من فيها بجروح ورضوض خطيرة، فكانت هذه هي اللحظة الفاصلة في حياة أبو دقة الذي انتقل على إثرها من صفوف المقاومة إلى الرقود الدائم في السرير.

من طبيب إلى طبيب ومن مستشفى إلى آخر لكن عبثاً حاول جاسر تغيير الواقع، فبالرغم من جميع المحاولات لإعادة بعض الحياة لإعضائه الساكنة إلا أن جميع هذه المحاولات قد باءت بالفشل فيقول جاسر: “إن أكثر اللحظات إيلاماً في حياة الإنسان هي ألا يشعر بأي جزء من جسده، وهذا أمر فظيع فعلاً، لأن الشعور هو الحياة واللاشعور هو الموت، فأن تكون مشلولاً بشكل كامل يعني أنك ميت يتنفس.. ليس إلا”. هذه هي الأفكار والتأملات التي شاركنا بها جاسر والتي تمر في ذهنه كل ساعة وأخرى فهو وإن كان قد مر على الحادث ستة عشر عاماً إلا أنه لا يزال يذكره بتفاصيله ويذكر حياته القديمة بعفويتها وصخبها.

وكان لوفاة والدة جاسر بعد عشرة أعوام من الحادث أثر كبير على سير علاجه ونفسيته فقد شعر باليأس وعدم الرغبة في الحياة خاصة أنها كانت من يعتني به وبعلاجه ومواساته بكلماتها الحنونة ورقتها التي تطغى على الألم واليأس؛ فكما يقول جاسر: “وفاة الوالدة قد فاقمت الأمور وقطعت في نفسي أي رغبة في الحياة أو الاستمرار”. هذه كانت أكبر محطات اليأس في حياة جاسر والتي استطاع تجاوزها بصعوبة كبيرة تاركة في نفسه آلاماً وذكريات وغصة لا تنسى.

تدهورت صحة جاسر شيئاً فشئياً لعدم اهتمامه بنفسه وسوء حالته الصحية، وضمرت أطرافه بسبب عدم الحراك وأصيب بتقوسات عدة في جسده إلا أن حظي بمساندة ابنة أخيه “تهاني” وهي في الحادي والعشرين من عمرها، فقررت أن تخرجه من حالته هذه وتجعله يخرج من البيت ويرى الناس والأصدقاء القدامى لتعود إليه الحياة من جديد بعد أن فقد الأمل بها، من هنا بدأت نقطة التحول؛ ففي يوم من الأيام وبينما كان جاسر في زيارة لصديق المقرب والذي كان يدرس في إحدى الدول الغربية، سمع بذلك البرنامج الألكتروني الخاص بالمعاقين والذي يساعده على تصفح الإنترنت دون استخدام اليدين.

هذا البرنامج -كما يشرح جاسر- يقوم بترجمة تحركات الرأس عن طريق كاميرا مركزة فوق الشخص إلى حركات داخل جهاز الحاسوب؛ فباستطاعة أي كان تحريك مؤشر الحاسوب بواسطة حركات برأسه يميناً ويساراً ومن فوق وإلى الأسفل، وهكذا تكون آلية التصفح إضافة إلى القدرة على الكتابة باستخدام حركات الرأس أيضاً؛ فهذا البرنامج يفتح للمعاق صفحة تشبه لوح الكتابة “الكيبورد” بجميع الأحرف اللازمة وبواسطته يتم الكتابة بكل بساطة.

كان ذلك النظام الجديد هو بصيص الضوء الذي بدأ جاسر يرى من خلاله الحياة، فأصبح أكثر انفتاحاً على من حوله وبدأت ملامح الهدوء والرضى تظهر على وجهه الذي لطالما ارتسمت عليه ملامح الحزن والأسى، وهكذا تحولت حياته من السكينة واللاشيء إلى الاضطلاع على الأخبار السياسية والاقتصادية، المحلية منها والعالمية، والمواقع الترفيهية والدردشة مع الأصدقاء والتعرف على أناس جدد، فاتسعت مدارك جاسر ونمى أمله في الحياة، وتوقف في التفكير بالموت واليأس وعدم الفائدة.

نقطة التحول هذه لم تكن بالسهلة إلا أنها كانت ضرورية؛ فجاسر الآن يفكر بالعمل وكسب رزقه وهو يبحث عن وظيفة يستطيع تأديتها عن طريق الحاسوب، لعل وعسى أن يستطيع استرداد بعضٍ مما فاته.

 
أضف تعليق

Posted by في ماي 20, 2010 بوصة منوعات, حصار, غرائب وعجائب

 

أضف تعليق