RSS

ضرير بستة أصابع… محمود طه يدير مشغلاً للصناعات اليدوية ويعلمها للمكفوفين

29 مارس

taha6
هبة لاما/خاص/PNN- بستة أصابع فقط؛ إثنين في يده اليسرى وأربعة في يده اليمنى، يصنع الضرير محمود حسن طه كل ما يخطر في البال من منتوجات يدوية، كالمكانس وكراسي القش والسجاد والسِّلال وما شابه ذلك؛ فتراه جالساً في مشغله الواقع في بيت لحم، يحيك ويقص وينسج ويخرط الخشب بحركةٍ لا تهدأ، وكأنه وُلِد ليتواجد في ذلك المشغل، الذي يشكّل عالمه الخاص ومجاله الحيوي الذي يُنسيه إعاقته ويشعره بأهميته.

والمفاجىء في الأمر أن ذلك الضرير ذو الستة أصابع يتعامل مع الأدوات والمناشير وماكينات الخراطة وغيرها بكل سلاسة وسهولة، دون أن يشعرك ولو للحظة واحدة بإعاقته، حتى أن المتفحص لمنتوجاته يقف عاجزاً أمام هذا الاتقان الذي يوحي للناظر للوهلة الأولى أن صاحبها سليم ولا يعاني من أي إعاقة تذكر.

هذا المشغل هو جزء من المدرسة العلائية للمكفوفين في بيت لحم؛ فمحمود طه لا يكتفي بالإنتاج فحسب وإنما يعلِّم المكفوفين “الصنعة”؛ يبدأ معهم من الصفر ويعلمهم المبادىء الأولية، فمن يُبدي منهم ميولاً مهنية يصنَّف في قسم الصناعي ويكون طه مسؤولاً عن تدريبه أما من يُبدي ميولاً أكاديمية فيذهب لتلقي كافة العلوم والاجتماعيات والتكنولوجيا وغيرها… هكذا تسير الأمور وهكذا يَنقُلُ طه موهبته للعديد من المكفوفين فيُكسبهم مهنة يعتاشون من خلالها ويعيلون أنفسهم في المستقبل.

محمود طه لم يولد هكذا وإنما تعرض لحادث مرير سبب له الإعاقة إذ بدأت الحكاية عام 1962 عندما كان ولداً صغيرة لم يتجاوز التسع سنوات، يلعب في حديقة البيت الواقع في أبو غوش، فوجد قنبلة قديمة من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، فأمسكها ليتفحصها فانفجرت به مسببة له فقدان بصر دائم وإصابة بليغة في أصابع يديه.

“أذكر كل شي بتفاصيله” يقول محمود “صوت انفجار القنبلة ودخانها، ودمائي التي كانت تسيل من كل مكان في جسمي، وذعري من تأنيب أمي التي طالما حذرتني من العبث بهكذا أشياء، لكن وقت التأنيب والخوف قد ولى وبدأ بعدها الألم والظلام، لا شيء سواهما”.

بهذه الكلمات التي تُشعر سامعها بالحزن والألم يختصر محمود طه حادثته الأليمة التي اعتبرها خطاً فاصلة في حياته إلا أنها لم تستطع أن تثنيه عن طموحاته، فبعد سنتين من الجلوس في البيت دخل طه إلى مدرسة “هلن كلر” للمكفوفين بمساعدة الأنوروا ثم أكمل دراسته وأخذ دبلوماً مهنياً من الاتحاد اللوثري في الرام.

وفي عام 1973 اندمج محمود جدياً في حقل الحياة المهنية، فعمل في مشغل الاتحاد اللوثري في الطور مصنِّعاً جميع أنواع الأدوات اليدوية، حيث أمضى هناك 25 عاماً قبل انتقاله للعمل في المدرسة العلائية للمكفوفين في بيت لحم والتي لا يزال حتى الآن مزاولاً عمله فيها.

يحب طه عمله جداً فهو بمثابة طوق النجاة بالنسبة له، يساعده على إعالة نفسه من جهة ومساعدة غيره من المكفوفين من جهة أخرى فيقول: “أشعر بنعمة كبيرة لأنني استطعت تخطي إعاقتي وتجاوزها، وهذا ليس سهلاً بالطبع؛ فأن تستفيق ذات صباح لتجد بصرك قد غاب وأصابع يديك ناقصة هو أمر فظيع، لهذا فإني أحمد الله على جعلي أتخطى بلْوَتي وأحوِّلها إلى شيء نافع يفيد الآخرين أيضاً”.

هذه حكاية الضرير محمود طه، رجل الستة أصابع والموهبة الفذة، مَثَل لكل من فقد الأمل في الحياة وفي نفسه.

taha5

taha4

 
أضف تعليق

Posted by في مارس 29, 2010 بوصة منوعات, إبداعات فلسطينية

 

أضف تعليق